وفتحت لكم أبواب الجنة فهل أنتم مقبلون ؟
وَفُـتـِّحَت لكم أبواب الجنة فهل أنتم مُـقبلون!؟
والسـابقـون السابقـون
الحق الركب .. أدرك القافلة .. اركب معـنا سفينة النجاة .. حث الخطى ، أسرع في السير عـلّـك أن تنجو من الهلاك .
منذ
أن تستيقظ من النوم وأنت في مصارعة مع الشيطان ، ومطاردة مع قرناء السوء
من الدنيا ، والهوى ، والأمل الكاذب ، والخيال المجنّـح .
افتح
دفترك بعـد الفجر ونظم ساعات اليوم ، ملازمة للصف الأول ، وهـو رمز العهد
والميثاق ، وحفظ آية من القرآن أو آيتين أو ثلاث ، وهـو دليل الحب
والرغـبة ، وتجديد التوبة والاستغـفار ، وهـما بريد القبول والدخول ، وطلب
مسألة نافعة ، وهي علامة الحظ السعـيد ، وصدقة لمسكين ، وركعـتان في السحر
، وركعـتان في الضحى زلفى إلى علام الغـيوب ، والزهـد في الحطام الفاني ،
وطلب الباقي شاهـد على عـلو الهمة .
{ أولئـِكَ الذين هَـداهُم اللهُ وأولئكَ هُم أولوا الألبَـاب }
التـوبـة
هلمّ
إلى الدخـول على الله ، ومجاورته في دار السلام ، بلا نصَب ولا تعـب ولا
عـناء ، بل من أقرب الطرق وأسهـلهـا . وذلك أنك في وقت بين وقتين ، وهـو
في الحقيقة عمرك وهـو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقـبل .
فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغـفـار . وذلك شيء لا تعـب عليك فيه ولا نصَـب ولا معاناة عمل شاق ، إنما هـو عمل قلب .
وتمتـنع
فيما يستقبل من الذنوب ، وامتناعك ترك وراحة ، ليس هـو عملاً بالجوارح يشق
عـليك معاناته ، وإنما هـو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقبلك وسرّك .
فما
مضى تصلحه بالتوبة ، وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعـزم والنية . ليس
للجوارح في هذين نصّب ولا تعـب ، ولكن الشأن في عمرك هـو وقتك الذي بين
الوقتين ؛ فاٍن أضعـته أضعـت سعادتك ونجاتك ، وإن حفظته مع اٍصلاح الوقتين
اللذين قبله وبعـده بما ذكر نجَوتَ وفـُزتَ بالراحة واللذة والنعـيم .
وحفظه أشق من إصلاح ما قبله وما بعـده ؛ فإن حفظه أن تلزم نفسك بما هـو
أولى بها وأنفع لها وأعظم تحصيلاً لسعادتها .
وفي هـذا تفاوتَ
الناس أعظم تفاوُت ؛ فهي والله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك
: اٍما الجنة ، واٍما النار ؛ فاٍن اتــّـخذتَ سبيلا إلى ربك بلغـتَ
السعادة العـظمى والفـوز الأكبر في هـذه المدة اليسيرة التي لا نسبة لها
إلى الأبد . وإن آثَـرتَ الشهوات والراحات واللهو واللعـب ، انقضت عنك
بسرعة ، وأعـقبـتك الألم العـظيم الدائم ، الذي مُـقاساته ومعاناته أشق
وأصعـب وأدوم من معاناة الصبر عن محارم الله والصبر على طاعته ومخالفته
الهوى لأجله .
منـافع تـرك الذنوب
سبحان
الله رب العـالمين ! لـو لم يكن في ترك الذنوب والمعاصي اٍلا إقامة
المروءة ، وصَـون العِـرض ، وحـفظ الجاه ، وصيانة المال الذي جعـله الله
قِواما لمصالح الدنيا والآخرة ، ومحبة الخلق وجواز القول بينهم ، وصلاح
المعاش ، وراحة الأبدان ، وقوة القـلب ، وطيب النفس ، ونعـيم القـلب ،
وانشراح الصدر ، والأمن من مخاوف الفساق والفجار ، وقـلة الهم والغـم
والمعصية ، وحصول المخرج له مما ضاق على الفساق والفجار ، وتيسير الرزق
عليه من حيث لا يحتسب ، وتيسير ما عسر على أرباب الفسوق والمعـصي ، وتسهيل
الطاعات عليه ، وتيسير العـلم والثناء الحسن في الناس وكثرة الدعاء له ،
والحلاوة التي يكتسبها وجهه والمهابة التي تـُلقى له في قلوب الناس
وانتصارهم وحميتهم له اٍذا أوذي وظـُـلِـمَ وذَبــُّهم عـن عـرضه إذا
اغـتابه مغـتاب ، وسرعة إجابة دعائه ، وزوال الوحشة التي بينه وبين الله ،
وقرب الملائكة منه وبُـعـد شياطين الإنس والجن منه ، وتنافس الناس على
خدمته وقضاء حوائجه ، وخِطبيتهم لمودته وصحبته ، وعـدم خوفه من الموت ، بل
بفرح به لقـدومه على ربه ولقائه له ومصيره إليه ، وصغـر الدنيا في قلبه ،
وكبر الآخرة عنده ، وحرصه على المـُلك الكبير ، والفـوز العـظيم فيها ،
وذوق حلاوة الطاعة ، ووجد حلاوة الإيمان ، ودعـاء حَـمَـلة العَـرش ومن
حوله من الملائكة له ، وفرح الكاتبين به ودعـاؤهم له كل وقت ، والزيادة في
عـقله وفهمه وإيمانه ومعـرفته ، وحصول محبة الله له وإقباله عليه ، وفرحته
بتوبته ، وهـكذا يجازيه بفرح وسرور لا نسبة له إلى فرحه وسروره بالمعـصية
بوجه من الوجوه .
فهـذه بعـض آثار ترك المعاصي في الدنيا . فإذا
مات تلقـَّـته الملائكة بالبشرى من ربه بالجنة ، وبأنه لاخوف عليه ولا حزن
، وينتقل من سجن الدنيا وضيقهـا إلى روضة من رياض الجنة ينعـم فيها إلى
يوم القيامة . فإذا كان يوم القيامة كان الناس في الحر والعَـرق ، وهـو في
ظل العـرش . فإذا انصرفوا من بين يدي الله أخـَـذَ به ذات اليمين مع
أولـيائه المتقين وحزبه المفـلحين .
{ ذلك فضـلُ اللهِ يُـؤتيه مَـن يشاء والله ذو الفضل العـظيم }
النـواهي والأوامـر في الأعـضـاء
لله
على العـبد في كل عـضو من أعضائه أمرٌ ، وله عليه فيه نهيٌ ، وله فيه نعمة
، وله به منفعة ولذة . فاٍن قـام لله في ذلك العـضو بأمره ، واجتنب فيه
نهـيَـه ، فقـد أدى شكر نعمته عليه فيه ، وسعى في تكميل انتفاعه ولذته به
. وإن عطـَّل أمر الله ونهيه فيه ، عطَّله الله في انتفاعه بذلك العضو ،
وجعله من أكبر أسباب ألَـمِـه ومضـرّته .
وله عليه في كل وقت من
أوقاته عبوديةٌ ، تقـدمه اٍليه وتقـربه منه ؛ فاٍن شغَـل وقته بعبودية
الوقت تقدم ربه ، وإن شغله بهوى أو راحة وبطالة تأخر . فالعبد لا يزال في
تقدم أو تأخر ، ولا وقوف في الطريق البتة .
قال تعالى : { لِـمَـن شـاء مِـنكُـم أن يتقـدّمَ أو يتأخـر } [المدثر:37]
أنواع المواساة للمؤمنين
المواساة
للمؤمنين أنواع : مواساة بالمال ، وموساة بالجاه ،ومواساه بالبدن والخدمة
، ومواساة بالنصيحة والإرشاد ، ومواساة بالدعـاء والاستغـفار لهم ،
ومواساة بالتوجع لهم .
وعلى قـدر الإيمان تكون هـذه المواساة ؛
فكلما ضعُـفَ الايمان ضعـفت المواساة ، وكلما قَـوِي قَـويت . وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس مواساة لأصحابه بذلك كله ، فلأتباعه
من المواساة بحسب اتباعهم له .
ودخلوا على بشر الحافي في يوم شديد
البرد وقـد تجرّد وهـو ينتفض ، فـقالوا له : ما هـذا يا أبا نصر ؟ فـقال :
ذكرت الفـقراء وبردهم وليس لي ما أواسيهم به ، فأحببت أن أواسيهم في بردهم
.